الجمعة، 14 مارس 2014

بائعُ الكبريت !,



البرد قارِس بمعنى الكلمة ..
السماء تثلِج وتُبرق وترعد ،
والمطر يهطل دون توقف ..
ونحنُ خرجنا خصوصاً للتمتع بهذا الجو 
نمشي ونضحك والثياب ثقيلة على أكتَافِنا 
نقفِز عن المياه كلما دلفنا شارع ،
ثم ندخل في محل لبيع الحلويات الساخنة .. 
ثم نخرج لنستقِلّ أول سيارة عن الطريق 
وإذ بصوت ضعيف يرجو منا أن نشتري منه قطعة لُبان !!
تلّفتنا إليه فإذا به
طِفل لم يتجاوز التاسِعة يمشي خلفنا بيأس تحت زخات المطر يداه تحملان مثل قفص كرتوني وهما ترجفان 
 لا يغطي جسده سوى خرق بالية لا تسمن ولا تغني من برد 
شكله ينم عن بؤسٍ لا يحتمله إنسان  ، وعيناه الواسعتان الجميلتان والمتسختان من طول الفقر والحاجة مزَّقتا قلبي مزقتين وزاحمتا الدموع في عيني على الفور  !!
رأيته ينادي علينا بشفاه راجِفة أن نشتري شيئا مما يبيع شيئاً ليس ثمينًا ولا غالياً على مثلنا _في نظره_  ومثلنا لا يحبه ولا يشتهيه _أيضا في نظره_ ولكنه يحتاج للمال بأي وسيلة 
تعاطف زوجي نوعاً ما  (بقدر أن يأخذ شيئا مما يحمل ويعطيه ثمنه_)ولكني ................
توقفته وسألته هل تدرس في المدرسة 
قال_ نعم 
         _بأي فصل 
_في الفصل الخامس الابتدائي
عندها 
لم أتمالك نفسي من الحيرة
الطفل لا يعمل فقط إنه يدرس ويكافِح
ماذا أقول 
تلعثمت وقلت بنفسي تباً .. ويا ويلي من قسوة الناس ! 
/
وددت لو أحيط هذا الطفل برعايتي طول العمر، ولكن ليس الأمر بهذه البساطة 
أعطيناه القليل من المال _بالنسبة لنا_ ثم رحلنا عنه وهو لا يصدق ما وقع في قبضته / مشيت وأنا  نادمة جداً على أني لم آخذ منه تفاصيل أوفى عنه ،عَلّي أفهم شيئاً ما بواسطة جهة ما 
ولكن .............

تحدثت بعدها مع زوجي  وتمنيت عليه أن يكون أكثر رأفةً بهؤلاء الأطفال 
خصوصاً من يحملون بأيديهم أحلامهم ويبيعونها للناس بثمنٍ زهيد 
ورجوته ألفَ مرة ألا يَرُدَّ طفلاً منهم خائباً إن صادَفه ,
وكل هذا التعاطف لا يكفي تجاه هؤلاء الصغار الذين يدرسون صباحاً ويبيعون مالا يُباع في هذا البرد القارس 
على أمل أن يحصلوا ولو على  فُتات العيش 
الذي لا أفهم  ماذا يسد بالضبط من حاجاته به !!
/

أستغرب من هذا الكِفاح الذي يبدو كبيراً على هذا العود الطري والعمر الصغير المظلوم !
أستغرب من الضمائر النائمة على طول هذه الطريق فالناس المارة لا تعد على أصابع اليد ، 
أستغرب من الحكومة وأفراد الشرطة الذين لا تأخذهم الرحمة بهؤلاء ليستدعوهم أو يسألوهم أو يفهموا شيئاً ولو يسيراً عنهم !
أستغرب من الأغنياء النائمين على أغطية وثيرة وكروشهم تعلو مع الزمن يخرجون من أبواب المحلات الفاخرة ليدخلون أبواب جيباتهم_ الآخر موديل_ ولا يبدو مثل هذا الطفل من مستواهم ليتلفتوا عليه إن نادى عليهم !!!
!
أستغرب من أصحاب المحلات التي تبيع بآلاف الشيكلات كل ساعة والطفل من هؤلاء يقف على بابه لساعات طوال قاسية ليبيع بشيكل واحد ولا يجده _وصاحب المحل يبقى صامتاً ليستمتع أكثر !!!

أستغرب لضياع الإنسانية ، الآدمية ، الرحمة ي بشر !!!!
فقط كل ما أستطيع فعله 
أن أناشِد أهل الخير والذين انقرضوا منذ زمن_
أَنْ بالله عليكم :لا تردوا طِفلاً يبيع دون أن تشتروا منه !!

ولو علبة كبريت !
.
.

 هذا
وأَقرأ الفاتِحة  بخشوع على الإنسانية بكاملها
 وعلى أهل الخير الذين رحلوا
وأقول أن مناشدتي السابقة 
هي 
 .. أضعف الإيمان !!

وأستحضِر قول عمر بن الخطاب :
(لو أن بغلة تعثرت في العراق ، لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر !!)
!



وقد أسمَعتُ لو ناديتُ حياً 
ولكن لا حياةَ لمن تُنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت 
ولكن كنتَ تنفخ في رمادِ ! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق